فتحـيـة بوحاجب… حين يتحوّل الاندماج من شعار إلى ممارسة حيّة في راغوزا

راغوزا – صقلية | من جيلاني فيتوري

اختُتمت بنجاح الدورة الخامسة من برنامج تدريب المعلّمين «اكتشاف راغوزا ومشهدها الثقافي»، الذي أطلقه متحف كارات البيئي وأرشيف إيبلي، مؤكّدًا مرة أخرى مكانته كمبادرة رائدة في التاريخ العام والتدريس المبتكر، ومُبرزًا البعد الإنساني والثقافي للمدينة من خلال مقاربة تقوم على الشمول والانفتاح.

غير أنّ إحدى أبرز محطات هذه الدورة كانت المداخلة اللافتة للسيدة فتحـية بوحاجب، المترجمة المعتمدة من أصل تونسي، والوسيطة اللغوية، ورئيسة الجمعية الثقافية «متحدون بلا حدود»، التي قدّمت تجربة مهنية وإنسانية عميقة جسّدت عمليًا معنى الاندماج الشامل.

الاندماج: من الاستقبال إلى المساهمة

في محاضرتها المعنونة «نظرة على الحاضر والهجرة في راغوزا»، شدّدت فتحية بوحاجب على أنّ الاندماج لا يُختزل في الإقامة أو التعايش السلبي، بل هو مسار متكامل يقوم على الاندماج الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، بما يُحدث أثرًا إيجابيًا متبادلاً بين المهاجر والمجتمع المضيف.

وقدّمت تجربتها الشخصية كنموذج حيّ لهذا التصور، موضحة أنّ خيارها لم يكن مجرد “البقاء”، بل الازدهار عبر الاستثمار في التعليم العالي بإيطاليا، باعتباره رافعة أساسية لرأس المال البشري والثقافي، ومفتاحًا للاستقلال المالي والكرامة المهنية.

التعليم والعمل… أساس الكرامة

وأكدت فتحية بوحاجب أنّ الاندماج الحقيقي لا يكتمل دون استقلال مالي، مبرزةً كيف يتيح التعليم للمهاجرين تجاوز ثنائية العمل اليدوي والفكري، والانخراط في قطاعات تتطلب كفاءات عالية، بما يحوّلهم من فئة تبحث عن الكفاف إلى مساهمين فاعلين في الإنتاج المحلي والوطني.

الوساطة الثقافية: جسر لا تماثل

وفي مقاربة لاقت تفاعلًا كبيرًا من المشاركين، أوضحت بوحاجب أنّ الاندماج الثقافي لا يعني الذوبان أو التماثل، بل يقوم على الوساطة: ترجمة القيم والمعايير المتبادلة، وبناء جسور فهم وسلام بين الثقافات.
فهي، من جهة، تعمل على تسهيل فهم الديناميات الاجتماعية الإيطالية لدى الجاليات المهاجرة، ومن جهة أخرى، تُعرّف المجتمع الصقلي/الإيطالي بالثقافات الأصلية للمهاجرين، في دور وصفتْه بأنه «محفّز للثقة» يحدّ من النزاعات وسوء الفهم.

تشخيص التحديات واقتراح الحلول

لم تكتفِ فتحية بوحاجب بالطرح النظري، بل تطرّقت بوضوح إلى التحديات الراهنة التي تواجه الجاليات المهاجرة، خاصة ما يتعلّق بالسكن، والعوائق اللوجستية، والحواجز اللغوية، مع تقديم اقتراحات عملية لتعزيز الإدماج التعليمي، ودعم اندماج النساء الأجنبيات في المجتمع المحلي.

شراكة مؤسساتية وإنسانية

وفي ختام مداخلتها، عبّرت فتحية بوحاجب عن شكرها لرئيس بلدية راغوزا والإدارة البلدية على دعمهم المتواصل لمبادرات الإدماج، كما وجّهت شكرًا خاصًا إلى قنصل الجمهورية التونسية في باليرمو، السيد محمد علي محجوب، تقديرًا لالتزامه بتعزيز الاندماج الاجتماعي والإنساني للمواطنين التونسيين في صقلية.

راغوزا… أرض خصبة للاندماج

تجربة فتحية بوحاجب، بالتعاون مع المؤسسات العمومية والمنظمات الخاصة، تُجسّد إمكانية تحقيق اندماج كامل وفاعل حين يُنظر إلى الدراسة كوسيلة للارتقاء، والعمل كأساس للكرامة، والثقافة كجسر للإثراء المتبادل.
وتؤكّد مقاطعة راغوزا، بجذورها المتعددة الثقافات والسياحية والزراعية والحرفية، أنّ حسن الضيافة ليس مجرد قيمة أخلاقية، بل استثمار حقيقي في الصالح العام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى