الشيخ الناصر بن عمارة… أربعة عقود من الحضور الديني التونسي في باريس

باريس – جيلاني فيتوري

منذ ثمانينات القرن الماضي، ارتبط اسم الشيخ الناصر بن عمارة بمدينة باريس، حيث شكّل أحد أبرز الوجوه الدينية التونسية التي ساهمت في تأطير الشأن الديني داخل أوساط الجالية التونسية والعربية المقيمة بفرنسا، في مرحلة تاريخية دقيقة تزامنت مع تنامي الهجرة المغاربية وتزايد الحاجة إلى خطاب ديني متوازن يستجيب لخصوصيات العيش في أوروبا.

قدم الشيخ الناصر بن عمارة إلى فرنسا في سياق شهد تحولات اجتماعية وثقافية عميقة، فكان من بين الأصوات التي راهنت منذ البداية على نشر قيم الإسلام المعتدل، القائم على الوسطية واحترام القوانين والعيش المشترك. وقد تميّز خطابه بقدرته على الجمع بين المرجعية الدينية الأصيلة وفهم واقع المسلمين في المهجر، بعيدًا عن منطق الانغلاق أو الصدام مع المجتمع المضيف.

وخلال مسيرته الطويلة في باريس، كان للشيخ حضور لافت في المساجد والمراكز الثقافية الإسلامية، حيث اضطلع بدور أساسي في التوجيه الديني، والإرشاد، والإجابة عن تساؤلات الجالية، خاصة ما يتعلّق بقضايا الهوية، وتربية الأبناء، والحفاظ على القيم الدينية في بيئة علمانية. كما أولى اهتمامًا خاصًا للشباب، داعيًا إلى الاندماج الإيجابي، والتمسك بالأخلاق، واحترام الآخر.

ولم يقتصر نشاط الشيخ الناصر بن عمارة على الوعظ والإمامة، بل شارك في ندوات فكرية ولقاءات حوارية تناولت مكانة الإسلام في أوروبا، ودور الأئمة في تعزيز السلم الاجتماعي، وأهمية الخطاب الديني الرشيد في مواجهة التطرّف وسوء الفهم المتبادل. وقد مكّنه هذا الحضور من نسج علاقات واسعة مع فاعلين دينيين وثقافيين، ما عزّز مكانته كمرجع معتدل داخل الجالية.

ويعتبر متابعون للشأن الديني في المهجر أن تجربة الشيخ الناصر بن عمارة تمثل جزءًا مهمًا من ذاكرة الهجرة التونسية بفرنسا، خاصة خلال الثمانينات والتسعينات، حين بدأت تتبلور ملامح تنظيم العمل الديني للمسلمين القادمين من شمال إفريقيا، في ظل تحديات الاندماج والحفاظ على الهوية.

اليوم، وبعد عقود من العطاء، لا يزال اسم الشيخ الناصر بن عمارة حاضرًا في الذاكرة الجماعية للجالية التونسية بفرنسا، كأحد رموز الاعتدال الديني، وكنموذج لخطاب هادئ أسهم في ترسيخ ثقافة الحوار والتعايش، وبناء جسور الثقة بين المسلمين والمجتمع الفرنسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى