
فُجع الوسط الإعلامي التونسي صباح اليوم الأحد 11 ماي 2025، بوفاة واحد من أعمدة الإذاعة الوطنية، المذيع القدير عادل يوسف، المعروف بلقب “كروان الإذاعة التونسية”، عن عمر ناهز 85 سنة، بعد مسيرة مهنية استثنائية امتدت لأكثر من نصف قرن خلف المصدح.
ولد الفقيد يوم 29 ديسمبر 1939، باسمه الحقيقي عادل عوض عبد اللطيف، من أب مصري وأم تونسية. وينحدر من عائلة لها جذور نضالية، إذ يُعد حفيد النقابي مختار العيّاري، أحد رفاق الزعيم محمد علي الحامي، الذي نُفي إلى الإسكندرية عقب حلّ جامعة عموم العملة التونسية، وهناك تزوّجت ابنته من مصري وأنجبت عادل.
عاش طفولة قاسية بعد وفاة والدته وهو في سن السادسة، ليقرر في سن الثانية عشرة العودة بمفرده إلى تونس حيث تكفّل خاله برعايته، وكان ذلك بداية مشوار قدره الإذاعي.
التحق عادل يوسف بالإذاعة التونسية سنة 1952، بالصدفة البحتة، حين اختاره المخرج المصري كمال بركات لأداء دور طفل باللهجة المصرية في مسرحية إذاعية. فأثبت الطفل موهبته الفذة، لتتوالى مشاركاته في برامج الأطفال، وليبدأ رحلة شغف بالمصدح لم تنقطع إلا قليلاً.
في منتصف الخمسينات، غادر إلى مصر طامحًا في تطوير تجربته الإعلامية، لكنه عاد بخفيّ حنين. ويروي في أحد حواراته الصحفية تفاصيل مؤثرة عن تلك الرحلة الشاقة التي قادته إلى بلد والده، حيث وصل إلى بيت جدته في سوهاج بعد معاناة طويلة، ورفض لاحقًا أن تبيع قطعة أرض لتمويل سفره إلى الخليج، ليقرر في النهاية العودة إلى تونس في ظروف لا تقل صعوبة.
عاد إلى وطنه سنة 1959 بمساعدة القنصل التونسي آنذاك محمد بدرة، والتحق مجددًا بالإذاعة الوطنية بعد نجاحه في اختبار صوتي أشرف عليه الإذاعي عبد الحميد الرفاعي. خضع لفترة تربص صارمة امتدت ثلاثة أشهر تحت إشراف كبار الإذاعيين من أمثال عبد العزيز العروي ومليكة بن خامسة وحامد الدبّابي، قبل أن يتألق في أولى برامجه “مرادفات” إلى جانب الشاعرة زبيدة بشير.
صوته المميّز أكسبه شهرة واسعة لدى المستمعين، فكان المفضّل في قراءة النصوص الإذاعية في العديد من البرامج، منها: “نقوش على سطح الذاكرة”، “أغنية وقصيد”، و”إشراقة الصباح”. كما كان صوته حاضرا بصيغة مختلفة في أغنية دينية وحيدة سجّلها بتكليف من الفنان الهادي الجويني ضمن عمل روائي بعنوان “الرحمة الكبرى”.
وقد عُرف عادل يوسف خاصة بتقديم برنامج “عبرة ونغم”، والبرنامج الرمضاني الشهير “تحية الغروب” الذي أصبح لاحقًا “رمضان ملأ قلوبنا”، والذي قدّمه لأربعين سنة متواصلة، باستثناء مرتين فقط.
برحيل عادل يوسف، تطوي الإذاعة التونسية صفحة من تاريخها الذهبي، وتودّع صوتًا شكل وجدان المستمعين لعقود، بما قدّمه من أداء رفيع المستوى، وثقافة لغوية رصينة، وأسلوب نادر جعل منه “كروانًا” بحق.
رحم الله الفقيد، وأسكنه فسيح جناته، وألهم ذويه وزملاءه والأسرة الإعلامية جميل الصبر والسلوان.
نهاد بن نجيمة