حياة مزيانة… سيدة تونسية تُجمّل الوجوه وتُداوي القلوب في قلب بروكسل

بروكسل – خاص/جيلاني فيتوري
في أحد أحياء العاصمة البلجيكية، بروكسل، حيث تختلط اللغات والثقافات، وتتشكل يوميات المهاجرين بين الحنين إلى الوطن والتأقلم مع الواقع الأوروبي، برز اسم السيدة حياة مزيانة كقصة نجاح ملهمة تُروى بكل فخر، خاصة لدى الجالية التونسية والعربية. هي ليست فقط خبيرة تجميل ماهرة، بل أيضًا مجملة بارعة تمارس مهنتها بيدها، وناشطة اجتماعية وصاحبة مبادرات إنسانية ترسّخ صورة المرأة المهاجرة الناجحة التي لم تنسَ جذورها ولا رسالتها.

من تونس إلى بلجيكا: بداية الرحلة

جاءت حياة إلى بلجيكا قبل أكثر من 38 سنة، في إطار الزواج، محمّلة بأحلام شابة تونسية ترى في الغربة بابًا لحياة جديدة. لم يكن الانتقال سهلاً، فالغربة لها أثقالها، من اختلاف اللغة إلى اختلاف المجتمع والعادات، لكن حياة، بإصرارها وصبرها، قررت ألا تكون مجرد رقم في سجلات الهجرة، بل اسمًا له وقع وتأثير.

سرعان ما وجدت في عالم التجميل شغفًا ومسارًا يمكن أن يحقق لها التوازن بين طموحاتها الشخصية وحياتها في المهجر. دخلت المجال بتدرّج، تابعت دورات تدريبية وورش عمل، ونجحت في أن تطوّر من تقنياتها ومهاراتها إلى أن أصبحت اليوم مرجعًا مهنيًا ومجملة معتمدة بلمسة خاصة في قطاع التجميل ببلجيكا، حتى أقرّ بها كبار الأطباء والمختصين في الجلد والتجميل هناك.

اسم يلمع بين النساء العربيات والمسلمات

الشهرة التي اكتسبتها حياة لم تكن وليدة الصدفة، بل ثمرة سنوات طويلة من الالتزام والدقة والحرص على تقديم الأفضل. استطاعت أن تخلق حولها شبكة زبونات وفية، خاصة من الجاليات العربية والإسلامية، اللواتي رأين فيها أكثر من خبيرة تجميل، بل امرأة تُشبههن، تفهمهن، وتنصت إليهن دون أحكام.

وما يميّز حياة أنها لا تكتفي بالإشراف على فريق العمل داخل صالونها، بل تشتغل بنفسها كمجملة، وتضع يدها على كل تفصيلة، وهو ما جعلها محبوبة ومحترفة في آن. تقول إحدى زبوناتها: “كأنك تزورين أختًا كبيرة. تخرجين منها وأنتِ أجمل، لكنك أيضًا أخفّ، لأنك تكلّمتِ وارتحتِ.”

عمق إنساني يتجاوز النجاح المهني

غير أن البُعد الإنساني في شخصية حياة لا يقل إشعاعًا عن مهاراتها المهنية. منذ 16 سنة، أطلقت مبادرة “Concours des Mamans”، وهي تظاهرة سنوية تُنظمها بنفسها وتُكرّم خلالها الأمهات، وتُهدي واحدة منهن رحلة عمرة، يتم تمويلها من مداخيل الحفل.

هذه المبادرة جاءت من رحم الحنين، إذ أرادت من خلالها الترحم على والدتها، التي تقول عنها دائمًا: “كانت مصدر قوتي، ملهمتي الأولى، ودفئي في الدنيا.” من هنا تحوّل هذا المشروع من لفتة شخصية إلى محطة سنوية مؤثرة ينتظرها كثيرون، لما تحمله من مشاعر صادقة، ولمسة دينية وإنسانية في آن.

حضور فاعل في حياة الجالية التونسية

حياة مزيانة لم تنغلق يومًا في نجاحها الفردي. ظلت على تواصل دائم مع الجالية التونسية في بلجيكا، تُشارك في الفعاليات الثقافية، وتُدعم المبادرات الشبابية، وتُقدّم يد العون للنساء المهاجرات الجدد. هي تُؤمن بأن التجربة لا تكتمل إلا حين تُشارك، وأن النجاح لا يُقاس فقط بعدد الشهادات أو الزبائن، بل أيضًا بما تتركه في قلوب الناس.

كما ساهمت في ربط جسور بين المهنيين من أبناء الجالية، وشجّعت العديد من الشابات على دخول مجال التجميل، مقدّمة لهن المشورة والدعم المعنوي والتقني. تقول مبتسمة: “حين ترى شابة تونسية تفتح صالونها الخاص بعد أن ساعدتها بنصيحة أو تشجيع، تعرف أن تعبك لم يذهب سُدى.”

“رسالتي أن أجمّل الداخل كما الخارج”

في أكثر من مناسبة، شدّدت حياة على أن التجميل بالنسبة لها ليس مجرد تحسين للمظهر، بل هو عملية شاملة تمتد إلى داخل النفس. “كل امرأة تحمل همًّا، وحين تعتني بنفسها، تبدأ بالتعافي من الداخل. أنا لا أقدّم فقط مظهرًا جميلاً، بل أفتح بابًا لتقدير الذات، وهذا أهم ما أؤمن به.”

لمسة تونسية في قلب أوروبا

حياة مزيانة، ببساطة، ليست مجرد خبيرة تجميل، بل مجملة متقنة وامرأة تصنع فرقًا حقيقيًا في حياة من حولها. بين قلم الكحل وفرشاة الماكياج، تحمل روحًا تونسية أصيلة، تنشر الجمال والرحمة والدفء في أرض الغربة.

من التكوين إلى الإتقان… ومشاركة المعرفة

لم تكتفِ حياة بأن تتعلم وتتقن، بل حرصت على نقل خبرتها إلى غيرها من النساء العربيات، فعملت كمكوّنة محترفة في قطاع التجميل، وساهمت في تكوين وتدريب عشرات النساء من الجاليات العربية والإسلامية، سواء ممن أردن دخول المجال كمهنة، أو كمشروع مستقل لتحسين ظروفهن في المهجر. كانت تعتقد دائمًا أن التمكين الحقيقي للمرأة يبدأ من منحها أداة تُنقذ بها نفسها.

“حين تُعلّمين امرأة، لا تمنحينها مهارة فقط، بل تمنحينها ثقة بنفسها، واستقلالًا، وأملًا جديدًا في الغربة.”

هذه الدورات التكوينية لم تكن مجرّد تدريب تقني، بل كانت لقاءات إنسانية أيضًا، تبني فيها حياة روابط قوية مع المتدرّبات، وتدفع بهن إلى تجاوز الخوف والانطلاق في الحياة المهنية بكل شجاعة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى