جمعية “القيروان مدينتي”… حين يتحوّل حبّ المدينة إلى فعل ثقافي نابض

في قلب القيروان، المدينة التي تنام على تاريخ يتجاوز الألف عام، وُلدت جمعية “القيروان مدينتي” من رحم الانتماء، ككيان مدني هدفه الأسمى أن تكون القيروان حاضرة لا فقط في الكتب والصور، بل في الواقع اليومي، في الشارع، وفي ذاكرة الجيل الجديد.

من التأسيس إلى التأثير

أسّس الجمعية ثلّة من الناشطين الغيورين على مدينتهم، ممن رأوا في العمل الجمعياتي وسيلة لترميم العلاقة بين المواطن وموروثه الثقافي، فكان شعارهم: “تراثنا… مستقبلنا”.
ومنذ انطلاقتها، انخرطت الجمعية في مسار ثقافي متنوع، اشتغلت فيه على الهوية القيروانية بأبعادها المختلفة: اللباس، الحِرَف، العادات، المعمار، والموسيقى الشعبية.

اللباس التقليدي: هوية تُعرض لا تُنسى

أولت الجمعية اهتمامًا خاصًا للباس القيرواني، باعتباره جزءًا حيًا من الذاكرة الشعبية.
نظّمت عروض أزياء تراثية راقية، أعادت من خلالها الحياة إلى “الملية”، “القشابية”، و”البرنوس”، وسط ديكورات مستوحاة من الأسواق القديمة والأحياء العتيقة. لم تكن تلك العروض مناسبات جمالية فقط، بل رسائل وعي بالهوية والاعتزاز بالجذور.

دعم الحرفيين: من الفكرة إلى التمكين

وعيُ الجمعية بأهمية البعد الاقتصادي للتراث دفعها إلى فتح فضاءات للحرفيين المحليين، سواء عبر المعارض الدائمة أو المناسبات الكبرى على غرار مهرجان الورد.
هؤلاء الحرفيون وجدوا في الجمعية شريكًا حقيقيًا يُقدّر جهدهم ويُبرز منتوجهم، سواء في فنّ التطريز، النحاس، النسيج، أو صناعة العطور الطبيعية.

مهرجان الورد: تظاهرة تُزهِر المدينة

من بين أبرز بصمات الجمعية: مساهمتها المحورية في تنظيم مهرجان الورد بالقيروان، والذي تحوّل إلى تقليد سنوي تنتظره العائلات والزوّار بشغف.
المهرجان يجمع بين البُعد البيئي، الثقافي، والتجميلي، ويُعتبر فرصة لترويج المنتوج المحلي وتنشيط الدورة الاقتصادية والثقافية في المدينة.

القيروان ليست ماضياً… بل مشروع حيّ

جمعية “القيروان مدينتي” لا تشتغل فقط على التظاهرات، بل تعمل على ترسيخ ثقافة المواطنة الثقافية، من خلال ورشات توعوية في المدارس، زيارات ميدانية للمعالم، وبرامج مخصصة للناشئة، في محاولة لبناء جيل يعتز بانتمائه ويدرك قيمة تراثه.

كلمة أخيرة

في زمن تغزوه الحداثة بشكل متسارع، تقف جمعية “القيروان مدينتي” كحارس أمين لذاكرة المدينة، وكمبادر يزرع الأمل والفعل في كل زاوية من زوايا القيروان.
هي ليست مجرّد جمعية، بل رؤية متكاملة، تنطلق من حبّ المكان وتنتهي بفعل ثقافي يُحاكي المستقبل دون أن ينسى الجذور.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى