قفصة في قلب الفانتازيا… ووليد محرز يواصل مغامرته الدرامية

كتب جيلاني فيتوري

في النصف الثاني من رمضان، وبين زحمة الإنتاجات الدرامية، خطف الأنظار عمل اختار أن يسلك طريقًا مختلفًا، بعيدًا عن الوثائقي الجامد أو الإسقاطات المباشرة. نتحدث هنا عن مسلسل وادي الباي، الذي حمل توقيع المنتج المنفذ وليد محرز، في ثاني تجربة له في مجال الإنتاج التلفزي.

قفصة لم تكن مجرّد خلفية تصوير في هذا العمل، بل أحد أبطاله. المدينة بحواريها القديمة، وذاكرتها المعمارية والإنسانية، كانت الحاضن الطبيعي لأحداث تتقاطع فيها ملامح الواقع مع رُؤية درامية تحاكي زمنًا من تاريخ البلاد، لا كما كُتب في الكتب، بل كما يمكن أن يُعاد تخيّله دراميًا.

وادي الباي ليس عملًا خياليًا صرفًا، بل محاولة لإعادة تركيب واقع تاريخي بعيون فنية، تستلهم من الوقائع لكنها لا تتقيد بها. هو فانتازيا، نعم، لكن من النوع الذي لا ينفصل تمامًا عن الأرض والناس والتاريخ. شخصياته تتحرك في زمن ماضٍ، تتحدث بلغة قريبة، تلبس من أقمشة تلك الحقبة، وتحاكي صراعات قد لا تزال تسكن وجدان التونسي حتى اليوم.

طاقم التمثيل ضمّ نخبة من أبرز الأسماء في الساحة الوطنية، ما منح العمل ثقلًا إضافيًا، وجعل أداء الشخصيات أقرب إلى الإقناع والفرجة الراقية، في تجربة مزجت بين الحرفية والروح التونسية الأصيلة.

بالنسبة لوليد محرز، فإن هذه التجربة الثانية له في الإنتاج التلفزي تمثل “نقلة في فهم الدراما كأداة تعبير لا توثق فقط، بل تثير الأسئلة وتحفّز الخيال”. وفي تصريح له، قال:
“ما أردناه هو فتح نافذة على ماضٍ يُشبه الحاضر في كثير من تناقضاته، دون ادّعاء تقديم دروس أو سرد حكاية موثقة. المهم أن نروي، وأن يكون للرواية أثر”.

أما الجمهور، فقد انقسم — كما هي عادة الأعمال الطموحة — بين من وجد في المسلسل مغامرة فنية جريئة تستحق الإشادة، ومن تمنّى لو التزمت الحبكة بسياق تاريخي أوضح. أما النقاد، فقد أثنوا على جمالية الصورة، وقوة الأداء، واعتبر بعضهم أن العمل “يعيد الاعتبار للخيال التاريخي في الدراما التونسية، ويطرح الأسئلة أكثر مما يقدّم الإجابات”

وادي الباي ليس مجرد عمل تلفزي، بل تجربة بصرية وفكرية، ترسخ قناعة أن التاريخ ليس دائمًا ما نقرأه، بل ما نعيد تخيّله أيضًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى