
شهدت مدينة دبلن يوم 23 فيفري فعالية ثقافية مميزة جمعت عددًا كبيرًا من أفراد الجالية التونسية، في أجواء احتفالية تعكس عمق الارتباط بالوطن رغم البعد الجغرافي. لم يكن الحدث مجرد لقاء اجتماعي، بل كان بمثابة نافذة أعادت من خلالها الجالية التواصل مع جذورها، من خلال استعراض ملامح التراث التونسي بمختلف أشكاله، مع الحرص على تقديمه برؤية تتماشى مع الواقع المعا
روح التراث بأعين الأجيال الجديدة
حضر اللقاء أفراد من مختلف الأجيال، لكن اللافت كان تفاعل الجيلين الثاني والثالث من المهاجرين، الذين أظهروا اهتمامًا متزايدًا بتراث أجدادهم. ورغم نشأتهم في إيرلندا، فقد وجدوا في هذه الفعالية فرصة لاكتشاف الهوية التونسية بطريقة حية وملموسة.
كانت العروض الفلكلورية من أبرز فقرات اللقاء، حيث قدمت فرق فنية مقاطع موسيقية ورقصات مستوحاة من التراث الشعبي التونسي، مثل “العيساوية” و”السطمبالي”، ما أضفى أجواءً من البهجة والحماسة بين الحضور. وقد تفاعل الشباب بشكل خاص مع هذه الفنون، حيث لم يقتصروا على الاستماع والمشاهدة، بل شاركوا بفعالية، في محاولة لإعادة اكتشاف جزء من هويتهم بطريقة ممتعة وتفاعلية.
المطبخ التونسي: جسر يربط المغتربين بوطنهم
إلى جانب الفقرات الفنية، كان للجانب gastronomique (الطهي) نصيب كبير في الحدث. أُعدّت مجموعة من الأطباق التونسية التقليدية، مثل الكسكسي، البريك، والهريسة، التي أثارت حنين الكثيرين لنكهات الوطن. لم يكن تناول الطعام مجرد متعة تذوقية، بل مثل تجربة ثقافية عززت الروابط العاطفية بين أفراد الجالية ووطنهم الأم. كما ساهمت هذه اللحظة في خلق مساحة للتبادل بين الأجيال، حيث تبادل الكبار والصغار القصص والذكريات المرتبطة بهذه الأطباق.
اللغة والثقافة: تحديات الاندماج والحفاظ على الهوية
مثل هذه الفعاليات تطرح دائمًا تساؤلات حول التوفيق بين الانتماء للوطن الأم والاندماج في المجتمع المضيف. وقد برزت هذه الإشكالية بوضوح خلال النقاشات التي دارت بين الحضور، حيث تحدث الكثيرون عن التحديات التي تواجههم في تعليم أبنائهم اللغة العربية أو الدارجة التونسية، إلى جانب المحافظة على العادات والتقاليد وسط مجتمع أجنبي.
لكن المثير للإعجاب هو سعي الشباب لخلق توازن بين الثقافتين، حيث أظهروا رغبة في إبقاء تونس حاضرة في هويتهم دون أن يكون ذلك على حساب اندماجهم في المجتمع الإيرلندي. البعض منهم بدأ بالفعل في تأسيس مبادرات ثقافية وفنية تعكس هذا التزاوج، مثل مشاريع موسيقية تمزج بين الإيقاعات التونسية والأنغام الغربية، أو مطاعم تقدم الأكلات التونسية بلمسات حديثة تتناسب مع الذوق العالمي.
الحدث في أعين الحاضرين
عبر العديد من المشاركين عن سعادتهم بهذه التظاهرة، مؤكدين أنها ليست مجرد مناسبة ترفيهية، بل لحظة ضرورية لتجديد الروابط مع الهوية. وقال أحد الحاضرين: “نحن نعيش في بلد مختلف، لكن مثل هذه الفعاليات تذكرنا بأن تونس ليست مجرد مكان، بل إحساس وانتماء يعيش فينا أينما كنا.”
من جهتها، اعتبرت السيدة صباح سندي رئيسة المؤسسة التونسية للثقافة بارلندا المساهمة بشكل كبير في هذا الحدث انه خطوة مهمة نحو تعزيز التواصل بين أفراد الجالية، مؤكدةً أن هناك خططًا لتنظيم لقاءات مماثلة بشكل دوري، لضمان استمرار هذا الرابط الثقافي العميق.
رسالة ثقافية عابرة للحدود
ما حدث في دبلن ليس مجرد لقاء عابر، بل يعكس أهمية الثقافة في بناء جسور التواصل بين الأجيال وربط المغتربين بوطنهم الأم. في زمن العولمة، يصبح الحفاظ على الهوية تحديًا، لكن مثل هذه الفعاليات تثبت أن الثقافة قادرة على عبور الحدود، ليس فقط كذكرى، بل كأسلوب حياة حيّ ومتجدد.