
المهدية تفتح أبوابها للعلم والإنسانية: مؤتمر دولي يبحث الصدمة النفسية لدى الأطفال وآثارها الصحية
كتبت سهير الحسيني
تستعد مدينة المهدية، تلك اللؤلؤة الساحلية الهادئة، لاستقبال حدث علمي وإنساني من الطراز الرفيع، يتمثل في المؤتمر الدولي الطبي الثاني حول الصدمة النفسية لدى الأطفال، وذلك في الفترة الممتدة من 15 إلى 17 أوت 2025، بمركز “Language Village”، بمبادرة من قسم الطب الوقائي والجماعي بمستشفى الطاهر صفر بالمهدية.
هذا المؤتمر الذي ينظَّم للسنة الثانية على التوالي، يأتي في سياق دولي يتّسم بتفاقم الضغوط النفسية على الأطفال نتيجة الأزمات المتلاحقة، من حروب وكوارث طبيعية وأزمات اقتصادية وهجرة قسرية، ما يجعل من الصحة النفسية للطفل قضية جوهرية تستوجب نقاشًا عابرًا للتخصصات والحدود.
تعددية الاختصاصات… وتلاقح التجارب
تحت شعار:
“الصدمة النفسية لدى الأطفال: الصحة النفسية والأمراض المزمنة – مقاربات علمية متعددة الاختصاصات”
يطمح المؤتمر إلى تسليط الضوء على الروابط العميقة بين الصدمات النفسية في الطفولة والإصابة بالأمراض المزمنة في مراحل لاحقة من الحياة، إلى جانب تقديم أحدث نتائج الأبحاث الطبية والنفسية حول سبل التشخيص المبكر، والتكفّل النفسي المتكامل، والدعم التربوي والاجتماعي للأطفال المعرضين للصدمة.
وسيكون هذا الموعد العلمي فضاءً حيويًا للنقاش بين أطباء نفسيين، أخصائيي أطفال، أطباء وقائيين، مختصين في علم النفس التربوي والاجتماعي، وباحثين أكاديميين من تونس وعدد من الدول العربية والأوروبية والإفريقية.
محاور علمية دقيقة وورشات تطبيقية
من المنتظر أن تشمل الجلسات العلمية للمؤتمر عددًا من المحاور الجوهرية، من بينها:
- العلاقة بين الصدمة النفسية والاضطرابات المزمنة لدى الأطفال والمراهقين.
- تأثير العنف الأسري والضغوط المجتمعية على الصحة النفسية للأطفال.
- دور الأسرة والمؤسسات التربوية في الوقاية والدعم النفسي المبكر.
- تجارب ميدانية من بلدان عربية وأجنبية في التكفّل بالضحايا الصغار.
- ورشات تطبيقية حول منهجيات البحث العلمي والتقصي من الأمراض النفسية.
وسيُخصَّص جزء هام من المؤتمر لتقديم حالات سريرية واقعية ودراسات مقارنة، بهدف الوصول إلى فهم أعمق وتوصيات عملية قابلة للتنفيذ داخل المنظومات الصحية والتربوية.
بُعد ثقافي وإنساني للمؤتمر
لا يقتصر هذا اللقاء على البُعد العلمي فحسب، بل يراهن المنظمون على خلق مناخ تفاعلي وإنساني يثري النقاش، من خلال برنامج ثقافي وسياحي موازٍ يتضمن:
- جولات بحرية في سواحل المهدية الخلابة.
- زيارات ميدانية إلى المواقع الأثرية والتاريخية للمدينة.
- عروض موسيقية وسهرات فنية تتيح للحضور الاستراحة والتلاقي في أجواء ودية.
يقول أحد أعضاء اللجنة التنظيمية:
“نحن نؤمن أن الإنسان لا يمكن فهمه دون فهم بيئته الثقافية والاجتماعية… لذلك سعينا إلى إدماج هذه الأبعاد ضمن تجربة المؤتمر ككل، بما يعكس روح المهدية كمدينة أصيلة ومنفتحة في آن.“
نحو استراتيجية وطنية لحماية الطفل
يحمل هذا المؤتمر في طياته دعوة ضمنية إلى بناء استراتيجية وطنية متعددة الوزارات لمجابهة آثار الصدمات النفسية على الأطفال، خصوصًا في ظل التحديات الراهنة التي تواجهها الأسرة التونسية.
وقد أكّد عدد من المتدخلين في نسخته الأولى العام الماضي، أن الصحة النفسية للطفل لا يمكن أن تُفصل عن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، ولا عن المنظومات التعليمية والإعلامية التي تسهم – سلبًا أو إيجابًا – في تشكيل الوعي النفسي لدى الناشئة.
المهدية… حين يصبح الطب رسالة إنسانية
باستضافتها لهذا الحدث، تثبت مدينة المهدية أنها ليست فقط وجهة سياحية، بل أيضًا حاضنة للعلم، ومنصة لحوار إنساني يتجاوز الجغرافيا والمصالح الضيقة. كما يُعدّ المؤتمر فرصة لتكريم الجهود التونسية في مجال الطب النفسي للأطفال، وتأكيد ريادة البلاد في دعم المبادرات العلمية ذات الأثر المجتمعي العميقوبين أروقة مركز “Language Village”، سيتقاطع الطب بالإنساني، والعلم بالتجربة، في مشهد لا يبحث فقط عن الحلول، بل عن الأمل الممكن لطفل يواجه أزمات العالم، بقلب صغير يحتاج إلى احتضان كبير.