بقلم: يسري تليلي
شكّل الملتقى الدولي حول الهجرة “بين الواقع والتحديات”، الذي انعقد يوم الاثنين 30 جوان 2025 بمدينة الثقافة في تونس العاصمة، محطة مهمة لإعادة التفكير في ملف الهجرة، بعيدًا عن التصورات التقليدية التي تربطها بالمخاطر والانقطاع، نحو مقاربة جديدة تقوم على الهجرة المنظمة كفرصة تنموية تخدم المهاجر وبلده الأصلي على حدّ سواء.

في كلمته الافتتاحية، دعا حسين العريبي، رئيس جامعة العمال التونسيين بالخارج، إلى تجاوز الصورة النمطية التي تلاحق الهجرة غير النظامية، والتركيز على الإمكانات الإيجابية للهجرة المنظمة، خاصة تلك التي تتم في إطار اتفاقيات ثنائية تضمن الحقوق وتحفظ الكرامة، معتبرًا أن الهجرة، خصوصًا في بعدها المهني، يمكن أن تكون أداة لتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية.
وقال العريبي: “نحن نعمل على أن يرى الشاب التونسي في الهجرة طريقًا شرعيًا وآمنًا، بعيدًا عن قوارب الموت ودراما المفقودين. نريد أن نفتح له أفقًا جديدًا، يحفظ كرامته وحقه في العمل الكريم خارج الوطن، دون أن يقطع حبل التواصل مع أرضه الأم.”

وفي جانب آخر من المداخلات، أبرز العريبي أن الدولة التونسية قطعت أشواطًا مهمة في تحسين الخدمات الموجهة للمهاجرين العائدين، خاصة من خلال تبسيط الإجراءات الإدارية بفضل التحول الرقمي ورقمنة الخدمات، وهو ما ساهم في تسهيل الاندماج من جديد في الدورة الاقتصادية الوطنية.
من جانبها، شدّدت نادين عبدية، الخبيرة في شؤون الهجرة والتعاون الدولي، وممثلة الجانب الإيطالي في الملتقى، على ضرورة فهم منظومة القوانين الأوروبية، خاصة الإيطالية، التي تنظّم عمليات الهجرة والعمل، مشيرة إلى وجود فرص حقيقية متاحة حاليًا للتونسيين في إطار نظام الحصص الذي يتيح سنويًا انتداب ما يصل إلى 4 آلاف عامل تونسي في قطاعات مختلفة.

وأضافت عبدية: “المادة 27 من القانون الإيطالي تتيح انتداب الكفاءات، خصوصًا من الشباب الذين تلقوا تكوينًا مهنيًا. لم نعد نتحدث عن أحلام، بل عن آليات فعلية يجب أن تصل إلى الشباب من خلال منصات موحدة للمعلومة، دون أن يبقى الشاب يتنقّل من إدارة إلى أخرى بحثًا عن جواب.”
ودعت عبدية إلى ضرورة مأسسة التنسيق بين الأطراف المعنية بملف الهجرة، من مؤسسات رسمية ومنظمات مجتمع مدني وهيئات دولية، لتوحيد الرؤى والجهود، معتبرة أن النجاح في تنظيم الهجرة مسؤولية مشتركة تتجاوز الحدود والمؤسسات.
وقد أجمع الحاضرون من خبراء وممثلين عن منظمات المجتمع المدني والسفارات والهيئات الرسمية التونسية على أن الهجرة، لم تعد مسألة ظرفية أو تهديدًا يجب تجنبه، بل خيارًا استراتيجيًا ينبغي إدارته بعقلانية، انطلاقًا من المصلحة الوطنية واحترامًا لتطلعات الشباب في مستقبل أفضل.
كما شهد الملتقى حضور القنصل العام للسفارة الفرنسية بتونس، ما يعكس اهتمام الجانب الفرنسي بملف الهجرة المنظمة والتعاون الثنائي، لا سيما في ما يتعلق بتسهيل حركة الكفاءات وتنمية برامج التكوين والتشغيل في إطار شراكات عادلة ومتوازنة.
يُذكر أن هذا الملتقى انتظم بمبادرة من جامعة العمال التونسيين بالخارج، وسجّل حضورًا لافتًا لمجموعة من الفاعلين المحليين والدوليين في مجالات الهجرة والتنمية وحقوق الإنسان، ما يعكس وعيًا متزايدًا بضرورة إرساء حوكمة رشيدة للهجرة ترتكز على الواقعية والتعاون المتبادل.
