🔰 تونس تصوّت مع العدالة: موقف ثابت تجاه معاناة غزة

🖋 بقلم: يسري تليلي

في لحظة مفصلية من تاريخ الإنسانية، وفي ظلّ صمت دولي مُخجل، جدّدت تونس موقفها المبدئي والثابت تجاه القضية الفلسطينية، وصوّتت لصالح القرار الأممي الذي يطالب بوقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار في قطاع غزة، ويدعو إلى رفع الحصار، وضمان دخول المساعدات الإنسانية، وانسحاب قوات الاحتلال.

ورغم التحفظ على بعض الفقرات التقنية في النص، فإنّ الموقف التونسي جاء ليؤكد أن المبادئ لا تُساوَم، وأنّ الانحياز لحقوق الإنسان وللعدالة لا يُقاس بميزان المصالح، بل بثبات المواقف. وقد عبّر المندوب الدائم لتونس لدى منظمة الأمم المتحدة بنيويورك عن ذلك بوضوح، قائلاً: “من المهمّ اعتماد مثل هذا القرار، ولكن من الأهمّ السهر على تنفيذه وتنفيذ بقية القرارات السابقة”.

إنّ المأساة التي يعيشها الشعب الفلسطيني اليوم، لا يمكن وصفها إلا بجريمة إبادة مستمرة، تُرتكب على مرأى ومسمع من العالم. مأساة تتجاوز القتل والدمار، إلى محاولة سحق إرادة شعب في التحرر، وكسر صموده التاريخي الذي قاوم الاستعمار، وتحدى التجويع، وواجه الحصار، وظلّ متمسكًا بأمل الحرية.

وجاءت كلمة تونس في الجمعية العامة لتذكّر من نسي، وتنبّه من يتغافل، أنّ هذه المأساة لم تبدأ في 2023، بل هي نتاج احتلال ممنهج ومشروع استيطاني توسّعي تعود جذوره لعقود، في ظلّ عجز دولي متواطئ، ومعايير مزدوجة تُغطي على جرائم الاحتلال وتُبررها، بينما تُدين ضحاياها.

ومما يزيد هذه اللحظة رمزية، هو تزامن هذا التصويت مع الذكرى الثمانين لتأسيس منظمة الأمم المتحدة. مناسبة كان من المفترض أن تحتفي فيها البشرية بقيم السلام والعدل وكرامة الإنسان، فإذا بنا نُواجه واقعًا يُعيد إنتاج المآسي ذاتها التي جاءت المنظمة أصلاً لمنعها.

لقد جاءت كلمة تونس صريحة، شجاعة، دون مواربة، تُجدد الدعم غير المشروط للشعب الفلسطيني في نضاله المشروع من أجل استرجاع حقوقه الكاملة، وفي مقدمتها إقامة دولته المستقلة على كامل أرض فلسطين، وعاصمتها القدس الشريف.

إنّها ليست مجرّد كلمة في قاعة أممية، بل موقف مبدئي تُعبّر من خلاله تونس، حكومة وشعبًا، عن انتمائها العميق للقيم التي تتجاوز الحسابات الضيقة، وتضع الإنسان، كلّ إنسان، في صدارة الأولويات. وهو موقف يستحق أن يُوثّق، وأن يُكرّر، حتى لا يُقال يومًا: “سكتت تونس…”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى