
جيلاني فيتوري
في أحد الأحياء الهادئة بمدينة نيس الواقعة جنوب فرنسا، حيث البحر يهمس للتاريخ وتفاصيل الحياة اليومية تحمل أناقة أوروبية ممزوجة بحرارة المتوسط، يعيش رجل الأعمال التونسي رؤوف التومي الذي اختار منذ أكثر من خمسة وعشرين عاماً أن يصنع لنفسه طريقاً في عالم البناء والمقاولات.
بداية الحكاية لم تكن محفوفة بالورود. شاب تونسي متخرج من الجامعة بشهادة في اللغة الإنقليزية، يقرر خوض تجربة الغربة باحثًا عن فرصة تتجاوز سقف التوقعات. لم تكن اللغة عائقاً أمامه، بل كانت جسرًا ساعده على الاندماج السريع والتواصل مع بيئات مختلفة، لكن ما لم يكن في الحسبان أن يكون شغفه الحقيقي في ميدان آخر تمامًا.

“كنت دائمًا منبهرًا بورشات البناء، بجمالية العمارة رغم قسوة المواد… هناك حيث تلتقي التقنية بالحلم”، هكذا يقول دائماً لأصدقائه. بدأ من الصفر، أسس شركته الخاصة التي أصبحت اليوم من الشركات المحترمة في نيس وضواحيها.
ما يميّز تجربته ليس فقط نجاحه المهني، بل أيضًا احتفاظه برابط قوي مع أبناء وطنه. “التونسيون في نيس مثل العائلة الكبيرة، هناك دعم متبادل، تضامن غير معلن، وشعور بالانتماء لا يموت مهما طال الغياب”، هكذا يصف علاقته بالجالية التونسية. يشتهر في الأوساط التونسية هناك بأنه الرجل الذي لا يتأخر عن تقديم يد المساعدة، سواء في العمل أو الحياة اليومية.

لكن رغم كل هذا الحنين والانتماء، لا يُشجّع على الهجرة العشوائية. “الزمن تغيّر”، يقول بثقة. “من يريد الهجرة اليوم يجب أن يكون مستعدًا، ليس فقط من حيث الورق، بل من حيث الكفاءة. الشهادة العليا أو المهنة المتقنة هما جواز السفر الحقيقي في أوروبا”.
ينصح الشباب قائلاً: “قبل أن تفكر في السفر، فكّر ماذا ستقدّم؟ هل لديك ما يميزك؟ هل أنت مستعد للتعلّم، للتطور، للعمل الشاق؟ الغربة ليست حلماً وردياً، بل مسؤولية يومية”.

ورغم السنوات الطويلة التي قضاها بعيدًا عن تونس، لا يُخفي حنينه لوطنه. يزورها كلما سنحت الفرصة، ويقول: “أنا ابن تونس في فرنسا، وفرنسيّ التفاصيل بروح تونسية”.
ويختم بابتسامة فيها الكثير من الفخر والحنين: “النجاح ليس في أن تغادر، بل في أن تظل وفيًّا لنفسك، وأن تصنع فرقًا حيثما كنت.”