من المدرسة العمومية إلى ريادة الطب الدقيق: التونسي معز بن علي… طبيب يكتب فصولًا جديدة في معركة السرطان

من مقاعد المدرسة العمومية التونسية، انطلقت حكاية شاب حلم يومًا بأن يغيّر حياة المرضى. واليوم، أصبح الدكتور معز بن علي أحد أبرز الأسماء العالمية في علاج السرطان، وواحدًا من رواد الطب الدقيق، ورمزًا لتونس التي تُبدع في صمت وتترك بصمتها في أخطر المعارك الطبية المعاصرة.

بداية من تونس… ووصول إلى قمة البحث الطبي العالمي

يسترجع الدكتور معز بن علي بداياته بتأثر واضح:

“بدأتُ مساري في المدرسة العمومية التونسية، ثم واصلتُ دراستي في فرنسا، بكلية الطب في كريمل-بيستر، والمدرسة العليا ENS بكاشان، ومعهد غوستاف روسي الشهير. وتحصلت لاحقًا على دكتوراه في البيولوجيا الجزيئية وتطوير أدوية السرطان.”

هذا التكوين الصارم فتح له أبواب كبريات شركات الأدوية البيولوجية العالمية، حيث شغل مناصب قيادية استراتيجية، وشارك في تطوير 11 دواءً مضادًا للسرطان، تسعة منها أصبحت اليوم علاجات معيارية تُنقذ حياة الآلاف. كما يشغل منصب أستاذ زائر في عدة جامعات عالمية، ويُعتبر من الأصوات العلمية المؤثرة في مجال الصحة.

ثورة في علاج السرطان… الطب الدقيق يغيّر قواعد اللعبة

يشرح بن علي أهم التحولات في عالم الأورام قائلًا:

“شهدنا ثورة حقيقية في العلاج. انتقلنا من طب تجريبي يعتمد على العلاج الكيميائي العام إلى طب مُصنّف ثم مستهدف، بفضل الأدوية البيولوجية وتطور التكنولوجيا الحيوية. اليوم نحن في عصر الطب الدقيق، حيث يُفصّل العلاج وفق البروفايل الجزيئي لكل مريض.”

ويوضح أن الأمل في الشفاء الكامل بات أقرب من أي وقت مضى، بفضل العلاج المناعي متعدد الأنماط، والأجسام المضادة ثنائية وثلاثية التخصص، والبروتينات المُحلّلة، وحتّى العلاج الإشعاعي الموجّه بالذكاء الاصطناعي.

لقاح علاجي ضد السرطان… حلم يتحقق

واحدة من أكثر مشاريعه طموحًا هي تطوير لقاح علاجي للسرطان، وهو مشروع وصل إلى المراحل السريرية المبكرة:

“نحن نعمل على لقاحات تستهدف تحفيز مناعة المريض لمحاربة الأورام الصلبة وسرطان الرئة. وقد أظهرت النتائج الأولية أملًا كبيرًا.”

هذا المشروع ينضم إلى سلسلة إنجازات علمية بارزة، أبرزها مساهمته في تطوير أول علاج CAR-T عالميًا، الذي أحدث ثورة في علاج بعض أنواع اللوكيميا واللمفوما.

منظومة صحية تونسية تحتاج إلى ثورة ابتكار

رغم نجاحاته العالمية، لا يخفي بن علي قلقه على واقع الصحة في تونس:

“كانت المنظومة الصحية قوية في الستينات، لكنها اليوم نظام علاج لا نظام صحة. نفتقد البحث، وتكوين الكفاءات في المهن الطبية الجديدة، ونُهمل السيادة الصحية والابتكار. النتيجة هي هجرة الأدمغة وفقدان السيادة العلاجية.”

ويؤكد أن إعادة بناء المنظومة الصحية تبدأ من ركيزتين: السيادة الصحية والابتكار العلمي.

شراكة جنوب-جنوب… تونس مركز إقليمي للطب الدقيق؟

زيارته الأخيرة لتونس لم تكن عاطفية فقط، بل مرتبطة بمشاريع استراتيجية:
قاد وفدًا صينيًا من شركة ZyCRO لإطلاق مشروع بحثي وسريري يجمع بين الأجهزة الطبية والأدوية البيولوجية، إضافة إلى مباحثات مع شركة سيفات ومكتب علمي عراقي لتوسيع أسواق الدواء التونسية.

“هذه الشراكة يمكن أن تضع تونس في موقع ريادي في الطب الدقيق والابتكار العلاجي.”

رسالة أمل

في ختام حديثه، يوجه رسالة مؤثرة:

“معركة السرطان تتقدم يومًا بعد يوم، والطب الجديد قادم… بل هو هنا بالفعل. رسالتي للمرضى: احتفظوا بالأمل.”

وفي 19 جويلية الجاري، شارك بن علي في أولى “أيام الطبيب التونسي بالخارج”، مؤكدًا أن الجالية الطبية التونسية يمكن أن تكون جسرًا حقيقيًا لنقل المعرفة وبناء مشاريع طموحة “من التونسيين وإلى التونسيين… ولأفريقيا بأسره

جيلاني فيتوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى