لزهر بلقاسم: مهاجر تونسي في ليل الفرنسية… حكاية كفاح وهوية لا تموت

ليل/ جيلاني فيتوري

منذ ما يقارب 18 سنة، اتخذ لزهر بلقاسم قراره بالهجرة من تونس إلى فرنسا، حاملاً معه أحلامًا كبيرة وآمالاً في حياة أفضل. كانت البداية صعبة، لكن عزيمته كانت أقوى من كل العقبات. استقر في مدينة ليل الواقعة في أقصى شمال فرنسا، على الحدود البلجيكية، وهي منطقة تعرف بكثافتها السكانية وتنوع جالياتها.

في حديثه إلينا، يسترجع لزهر بداياته قائلاً: “اشتغلت في حضائر البناء، حملت الحجارة، دهنت الجدران، نظفت الأرضيات، واشتغلت في عديد المهن البسيطة الأخرى. لم أستحِ يومًا من عمل قمت به. كنت أبحث عن لقمة عيش حلال وكِرامة، وهذا هو المهم”.

اليوم، يعمل لزهر في مجال الحراسة المتنقلة بواسطة السيارة، وهي وظيفة تتطلب الكثير من الانضباط والتنقل في ظروف مختلفة. يقول: “ليلي نهار ونهاري ليل أحيانًا، لكنني تعلّمت الصبر، وأدركت أن الهجرة ليست رحلة رفاه، بل امتحان مستمر للقدرة على التحمّل والتكيّف”.

رسالة إلى الشباب: “الهجرة ليست خلاصًا سحريًا”

يوجه لزهر رسالة واضحة إلى الشباب التونسي الذي يفكر في الهجرة، فيقول: “من يفكر في الغربة يجب أن يستعد نفسيًا ومهنيًا. لا تنتظروا أن تجدوا كل شيء جاهزًا، هنا لا أحد يفرش لك الأرض بالورود. الغربة غالية، ثمنها غالٍ على النفس والعائلة”.

ورغم انشغالاته المهنية، لم ينس لزهر جذوره، فقد انخرط في الحياة الجمعياتية والمدنية ضمن الجالية التونسية. يشارك في تنظيم التظاهرات الثقافية والرياضية، ويُسهم في خلق فضاءات تواصل بين أبناء الوطن الواحد، سواء من الجيل الأول أو الثاني.

“الجالية التونسية في ليل متماسكة، وعلاقتي بها ممتازة. نحاول قدر الإمكان أن نمدّ الجسور بيننا وبين بلادنا.

العودة إلى تونس… حلم يصطدم بأسعار التذاكر

مع اقتراب فصل الصيف، يتجدد أمل المهاجرين في زيارة الوطن، لكن لزهر يعبّر عن امتعاضه من غلاء أسعار تذاكر الطيران والعبّارات قائلاً: “كل سنة، نُصدم بالأسعار المرتفعة التي لا تُمكّن عائلاتنا من العودة بسهولة. جيراننا المغاربة يحظون بعروض ميسّرة من حكوماتهم، أما نحن، فالمعادلة دائمًا صعبة”.

ويختم حديثه بنداء صريح للسلطات التونسية: “نطلب من الدولة أن تُراعي ظروفنا، وأن تتدخل لتسهيل العودة الصيفية. نُريد فقط أن نُعانق أمهاتنا، أن نزور قبور آبائنا، أن نُعيد وصل ما انقطع. هذا أقل ما نستحقه بعد سنوات الغربة”.

لزهر بلقاسم ليس مجرد مهاجر؛ هو شاهد على معاناة آلاف التونسيين في الخارج، الذين اختاروا الغربة، ليس رغبة في الرفاه، بل بحثًا عن كرامة… كرامة لا تزال تتطلب دعمًا فعليًا من الوطن الأم.


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى