
🖊️بقلم جيلاني فيتوري
عندما يهاجر الإنسان بحثاً عن مستقبل أفضل، غالباً ما ترافقه التحديات والصعوبات قبل أن يلامس طعم النجاح. لكن قصصاً كثيرة تثبت أن الإرادة أقوى من كل الظروف، ومن بينها قصة التونسية عواطف الرويني، المقيمة في بروكسيل، والتي تحولت من مهاجرة عادية تحمل أحلامها في حقيبة صغيرة، إلى صاحبة مشروع ناجح واسم لامع في مجال التجميل، وهي اليوم نموذج يُحتذى به للمرأة التونسية في المهجر.
من الصفر إلى التميز
لم يكن طريق عواطف مفروشاً بالورود. فقد انطلقت من الصفر، متنقلة بين أعمال متواضعة لا تمتّ بصلة لطموحاتها. لكنها لم تفقد يوماً إيمانها بنفسها، وظلّت تؤمن أن النجاح يصنع بالاجتهاد والتضحيات. اختارت مجال التجميل والعناية الطبية بالبشرة، والتحقت بدورات تكوينية متقدمة لتجمع بين الخبرة والتأهيل العلمي. ومع مرور الوقت، راكمت تجربة ثمينة، لتخطو بعدها نحو تأسيس مركزها الطبي للتجميل في قلب بروكسيل.

المركز سرعان ما أثبت مكانته بين نظائره بفضل اعتماده على أحدث التقنيات الطبية، وحرصه على النظافة وجودة الخدمات، والأهم من ذلك العلاقة الإنسانية التي تربط عواطف بحرفائها. فقد وضعت شعارها البسيط: “النجاح يبدأ بالثقة”، وهو ما جعلها تكسب قاعدة واسعة من الحرفاء، من مختلف الجنسيات، بينهم نسبة هامة من أبناء الجالية التونسية.
عائلة سند ونجاح مشترك
نجاح عواطف لم يكن فردياً فحسب، بل كان ثمرة روح عائلية متماسكة. فقد اختارت أن تستقدم إخوتها إلى بلجيكا، ليتقاسموا معها الغربة ويشاركوا في تطوير المشروع. وبفضل هذا الدعم العائلي، لم يتحول المركز إلى مجرد فضاء عمل، بل إلى بيت يجمع التونسيين على قيم التضامن والتكافل.
جالية تساند وتؤمن بالنجاح
أحد أسرار تميز عواطف الرويني هو ارتباطها الوثيق بالجالية التونسية في بروكسيل. فقد وجدت بينهن حرفاء أوفياء، آمنوا بإبداعاتها التجميلية وبقدرتها على تقديم خدمات تضاهي أرقى المراكز الأوروبية. ولم تكتفِ الجالية بدور الحرفاء فقط، بل كانت سنداً معنوياً لها، وهو ما جعلها تشعر أن نجاحها ليس نجاحاً شخصياً بقدر ما هو نجاح تونس كلّها في المهجر.

نحو آفاق جديدة: الاستثمار في المطاعم
ولأن الطموح لا يتوقف عند حدّ، قررت عواطف الرويني التوسع نحو قطاع آخر، يتمثل في الاستثمار في المطاعم. وهي تستعد حالياً لافتتاح مطعم تونسي في قلب العاصمة البلجيكية، سيكون متخصصاً في تقديم أشهى الأكلات التونسية التقليدية. هذا المشروع الجديد يهدف إلى أن يكون ملتقى للتونسيين في بروكسيل، وملاذاً لكل من يحنّ إلى نكهات الوطن من كسكسي، وطاجين، ومقروض، وغيرها من الأطباق التي تحمل روح المطبخ التونسي.
قصة ملهمة من المهجر
قصة عواطف الرويني ليست مجرد تجربة مهنية ناجحة، بل هي شهادة حيّة على قدرة التونسيين في المهجر على التألق والإبداع. فهي تعكس صورة المهاجر التونسي الذي لا يذوب في مجتمع الاستقبال، بل يثبت ذاته ويحمل معه قيم العمل والاجتهاد، ويظل وفياً لجذوره وثقافته.
نجاحها في مجال التجميل، وسعيها لبعث مطعم تونسي في بروكسيل، يبرزان أن المهاجر التونسي يمكنه أن يكون جسراً حضارياً يربط بين بلده الأم وبلد إقامته، وأن الغربة لا تعني الانفصال عن الهوية، بل يمكن أن تتحول إلى مساحة لتثمينها وإبرازها.
اليوم، تُعد عواطف الرويني رمزاً للمرأة التونسية الطموحة، ورسالة أمل لكل مهاجر بدأ من الصفر: أن النجاح ممكن، وأن التحديات مهما عظمت لا يمكن أن تقف أمام عزيمة صادقة وإصرار على إثبات الذات.