
أبريليا – إيطاليا // كتب جيلاني فيتوري
في قلب مدينة أبريليا التابعة لمقاطعة لاتسيو الإيطالية، تبرز سهام الزرلي كواحدة من أبرز الشخصيات التونسية المغتربة التي جمعت بين الطموح الإنساني، الريادة الاجتماعية، والعمل الثقافي التونسي في المهجر. فمنذ استقرارها في إيطاليا قبل أكثر من ثلاثين سنة، نجحت الزرلي في بناء مسيرة متعددة الأبعاد، تشمل رعاية المسنّين، وتمثيل الثقافة التونسية، وتعزيز جسور التبادل بين الضفتين.
بداية المسيرة: بين الاندماج والطموح الاجتماعي
قدِمت سهام الزرلي إلى إيطاليا في أواخر الثمانينات، ضمن موجة الهجرة المغاربية، وواجهت في بداياتها تحديات الاندماج في مجتمع جديد. غير أنها سرعان ما شقت طريقها بثبات، فجمعت بين الدراسة والعمل، وتدرّجت في عدّة مجالات قبل أن تتوجه إلى العمل الاجتماعي والصحي، وهو المجال الذي سرعان ما أصبح هويتها المهنيّة والإنسانية.
مراكز رعاية المسنين: فلسفة قائمة على الاحترام والعائلة
أطلقت الزرلي أول مركز اجتماعي خاص لكبار السن بإيطاليا، من صنف “كوميونيتي ألّوجيو”، في نهاية التسعينات. وتجسدت رؤيتها لاحقًا في مشروعها الأبرز: “فيلا سهام – Villa Sihem”، الذي أسسته سنة 2013. ويُعد هذا المركز نموذجًا فريدًا في الرعاية المنزلية الدافئة، إذ يوفر خدمات طبية واجتماعية، ويعزز في الوقت نفسه الإحساس بالانتماء والكرامة لدى المقيمين فيه.
“نحن لا نؤسس مآوي، بل نُقيم بيوتًا ثانية للآباء والأمهات… نمنحهم لحظات حياة، لا مجرّد إقامة”، تقول الزرلي.
في “فيلا سهام”، لا يقتصر الأمر على توفير الرعاية الطبية، بل يشمل تنظيم احتفالات موسمية، تذكير بالراحلين، ومناسبات رمزية مثل عيد الجد والجدة، بما يُكرّس البعد العاطفي والروحي في العلاقة مع كبار السن.
وقد كرّم المجتمع الإيطالي هذه التجربة الفريدة عبر عدة جوائز، من أبرزها جائزة MoneyGram Award سنة 2015 في فئة المسؤولية الاجتماعية.
الترويج لتونس: كسكسي وسياحة وثقافة
لم تكتفِ الزرلي بالنجاح في المجال الاجتماعي، بل خاضت مجال الدبلوماسية الثقافية الشعبية عبر تأسيسها لجمعية “نخلة الجنوب”، التي تنظّم كل سنة مهرجان الكسكسي المغاربي بمدينة أبريليا. وتحول هذا الحدث إلى موعد سنوي يُعرف بثقافتنا التونسية، حيث يتم تقديم الكسكسي التونسي بنكهات متعددة، إلى جانب عرض المنتوجات التقليدية، الحرف، الأزياء، وحتى الفلكلور الشعبي.
وتقول الزرلي في تصريح لها: “نحن لا نقدم الكسكسي كطبق، بل كمفتاح سياحي وثقافي لتعريف الإيطاليين بتونس… كلّ نكهة تحمل وراءها جهة، وتاريخ، وهوية.”
وقد بات المهرجان محطة مهمة للترويج لـالسياحة التونسية، خاصة مع مشاركة ممثلين عن الديوان الوطني للسياحة، ووفود من الجالية، ومهتمين إيطاليين بالوجهة التونسية.



إشعاع أنثوي وتكريم مستحق
في مارس 2025، منحت منظمة WIO (World Intercultural Organization) الزرلي تكريمًا خاصًا بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، ووصفتها بـ”السيدة التي بنت جسورًا من الإنسانية بين بلدين”. كما شاركت في العديد من البرامج التلفزية التونسية التي تُعنى بشؤون الجالية.
فلسفة العمل: لا خير بلا كرامة
ترفض سهام الزرلي اختزال العمل الاجتماعي في شعارات رنّانة، مؤكدة أن “الكرامة” هي الأساس. تقول:
“لا يمكن للإنسان أن يقدّم الخير إن لم يفهم ألم الآخر… ولا يمكن أن تخلط العمل بالربح، لأن المسنّ لا يحتاج إلى صدقة، بل إلى مَن ينظر في عينيه.”
تمثّل سهام الزرلي اليوم نموذجاً يُحتذى به في الجمع بين النجاح المهني، والانخراط المجتمعي، والدبلوماسية الثقافية غير الرسمية. فهي لم تكتف بالاندماج في المجتمع الإيطالي، بل أعادت تشكيل ملامحه الإنسانية من الداخل، ورفعت راية تونس عالياً، عبر الطب والثقافة والرعاية، فكانت خير سفيرة لوطنها في بلاد الغربة.