زيت الزيتون التونسي: الذهب الأخضر المظلوم في وطن لا يدرك قيمة ثروته

بقلم دکتور نبیل فاضل

تونس، هذا البلد الصغير في الجغرافيا، الكبير في العطاء، تملك ثروة لا تقلّ قيمة عن النفط الذي تبني عليه الدول ميزانياتها. ثروتنا ليست تحت الأرض، بل فوقها: شجرة الزيتون. هذه الشجرة التي تختصر التاريخ والهوية، وتُعدّ من أقدم ما زرع الإنسان في شمال إفريقيا. واليوم، في الدورة الثامنة لمعرض الصين الدولي للاستيراد بشنغهاي، برزت تونس وهي تقدّم للعالم أحد أنقى وأجود أنواع زيت الزيتون، محاولةً أن تُعرّف بمكمن قوتها الاقتصادية الحقيقية.

ورغم أن تونس تحتل مراتب متقدمة عالميًا في إنتاج وتصدير زيت الزيتون، فإن هذا القطاع لا يزال يعاني من تهميشٍ مؤسسيٍ وهيكليٍ كبير. فالدولة لم تضع بعدُ سياسات استراتيجية مستدامة تليق بمكانة هذا المنتوج، ولا بنطاقه التصديري الذي يوفّر سنويًا مئات الملايين من الدنانير من العملة الصعبة، في وقتٍ تستورد فيه البلاد منتجات أقل جودة وتدفع مقابلها أموالاً طائلة.
إن المفارقة المؤلمة تكمن في أنّ زيت الزيتون التونسي يُباع في الخارج تحت علامات تجارية أجنبية، تُغلفه وتُسوّقه وكأنه إنتاجٌ إسباني أو إيطالي، في حين أن الشجرة والجذور والنكهة والعرق كلّها تونسية.

لقد أثبتت التجارب الدولية أن الثروات الطبيعية لا تُقاس بما تملكه الدولة من نفط أو غاز، بل بما تحسن استثماره من موارد متجددة. وزيت الزيتون التونسي هو نموذج لذلك: منتوج فريد يجمع بين الجودة البيولوجية العالية والطابع البيئي النقي والمذاق المتوسطي الذي لا يُضاهى. ومع ذلك، ما يزال يعاني من ضعف التسويق، ومن غياب دعم الابتكار في التعبئة والعلامات التجارية، إضافة إلى إهمال البحث العلمي في تطوير سلالات الزيتون وأساليب الجني والعصر.

في المقابل، فإن المعرض الدولي في شنغهاي يمثل فرصة رمزية واقتصادية لتصحيح هذا المسار. الصين اليوم من أكبر الأسواق الواعدة، والتوجه نحوها لا يجب أن يكون مجرد عرضٍ تجاري، بل رؤية استراتيجية تُحوّل زيت الزيتون من منتوج فلاحي إلى قيمة وطنية مضافة: سفير تونسي يرفع اسم البلاد في الأسواق العالمية.

إن الاستثمار في هذا القطاع لا يعني فقط تحقيق أرباح مالية، بل يعني دعم الفلاح التونسي، وإحياء الريف، وتثبيت الشباب في أراضيهم. فكلّ لتر من زيت الزيتون هو في الحقيقة ثمرة تعب سنة كاملة، وعرق فلاحٍ لم يُنصفه أحد، لكنه مازال يزرع ويؤمن أن الخير في الأرض.

ولذلك، وجب أن يُعاد الاعتبار إلى هذا القطاع عبر:

بعث مراكز بحث وتطوير متخصصة في زيت الزيتون ومشتقاته.

دعم الشركات الناشئة في مجال التصدير والتغليف الذكي.

تشجيع الشراكات الاستثمارية مع الأسواق الآسيوية والإفريقية.

وضع علامة وطنية موحدة تحمل اسم تونس وتنافس عالميًا.

فإذا كانت بعض الدول تفاخر بثروتها النفطية، فنحن نفاخر بزيتنا الذي هو أغلى من النفط وأطهر منه.
هو ذهبنا الأخضر، لكنّنا إلى اليوم لم نعرف كيف نحميه أو نُسوّقه كما يستحق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى