زياد غرسة… سليل المالوف وصوت الأصالة التونسية

بقلم: يسري تليلي

في حضرة الطرب الأصيل، يبرز اسم زياد غرسة كأحد رموز الفن التونسي الأصيل، ووريثًا شرعيًا لمدرسة خالدة رسم ملامحها الكبار، بداية من خميس الترنان مرورًا بطاهر غرسة، ووصولاً إليه، هو الذي حمل مشعل المالوف والموشحات بثبات وعشق وصدق.

ولد زياد غرسة يوم 17 مارس 1975 في مدينة تونس، وسط بيئة موسيقية خصبة، حيث كان والده، الموسيقار الكبير طاهر غرسة، أول معلميه وملهميه، فغرس فيه حبّ المالوف منذ نعومة أظافره. تلقى زياد تكوينه الأول في كنف والده الذي تتلمذ بدوره على يد عميد الموسيقى التونسية خميس الترنان، ليكون امتدادًا حيًّا لسلسلة ذهبية من أساطين هذا الفن.

ما يثير الإعجاب في مسيرة زياد أنه تخرّج موسيقيًا وهو لم يتجاوز الرابعة عشرة من عمره، وهي سنّ لا تسمح عادة بالتألق، لكن استثناء زياد كان قائمًا بحكم موهبته الصافية وتكوينه العميق. ومع مرور السنوات، رسّخ مكانته كأحد أبرز حماة التراث الموسيقي التونسي، غناءً وتلحينًا وعزفًا.

زياد لا يكتفي بأداء المالوف، بل يبدع فيه، يعزف كمن يحاور النغمة ويغني كما لو أنه يروي حكايات الأندلس وطرابلس وتونس القديمة. يتقن عزف آلات عديدة، من العود إلى الكمان، مرورًا بالكمان الجهير والبيانو، ما منحه بعدًا موسيقيًا فريدًا جعل منه فنانًا شاملاً.

ومنذ جويلية 2006، تقلّد زياد غرسة مهمة قيادة الفرقة الرشيدية، خلفًا لعبد الحميد بنعلجية، مواصلاً بذلك رسالة الرشيدية التي تمثل الحصن الحامي للموسيقى التونسية الكلاسيكية.

زياد غرسة ليس فقط صوتًا جميلًا، بل هو ذاكرة موسيقية تتحرك، يحمل بين أنفاسه نبض التراث، ويعيد تقديمه للأجيال الجديدة بروح فنية تجمع بين الوفاء للموروث والانفتاح على الحداثة.

ومزالت المسيرة متواصلة… من النجاحات المتتالية إلى الأعمال الفنية المتميزة، يثبت زياد غرسة يومًا بعد يوم أن الحفاظ على الأصالة يمكن أن يسير جنبًا إلى جنب مع الإبداع والتجديد.

واليوم، يستعد لجولته الصيفية ضمن المهرجانات الكبرى، كما سيكون حاضرًا في عدد من الفعاليات الفنية والثقافية في مختلف الجهات، حاملاً معه صوته ورسالة الفن التونسي في أبهى تجلياته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى