‎تونس والاتحاد الأوروبي: ثلاثون سنة من الشراكة، ورؤية جديدة للمستقبل

‎منذ ثلاثة عقود، خطت تونس والاتحاد الأوروبي أولى خطوات شراكة استراتيجية جسّدها اتفاق تعاون شامل، وضع أسسًا جديدة للتقارب السياسي، والدعم الاقتصادي، والانفتاح الثقافي. اليوم، وبعد مرور 30 سنة على توقيع هذا الاتفاق، تتجه الأنظار إلى المستقبل، في لحظة تقييم وإعادة تموقع، تفرضها التحولات الجيوسياسية والاقتصادية المتسارعة إقليميًا ودوليًا.

‎في افتتاح المنتدى الدولي لـ Réalités في دورته السابعة والعشرين، أكد سعادة جيوزيبي بيروني، سفير الاتحاد الأوروبي بتونس، أنّ اتفاق الشراكة بين تونس والاتحاد الأوروبي لم يكن مجرّد إطار قانوني، بل تجسيدًا فعليًا لعلاقة متميزة قامت على الحوار والثقة والتعاون المتبادل. وقد مكن هذا الاتفاق من تحقيق نتائج ملموسة، خاصة على الصعيدين التجاري والاستثماري، حيث تطور حجم المبادلات ليجعل من الاتحاد الأوروبي الشريك الاقتصادي الأول لتونس.

‎علاقة تحتاج إلى دفع جديد

‎لكن، وبعد مرور ثلاثين عامًا، تغيّرت التحديات، وتبدّلت الأولويات. ما كان مجديًا في تسعينات القرن الماضي لم يعد بالضرورة ملائمًا لواقع اليوم. الأزمة المناخية، التحول الرقمي، حركية الشباب، والتغيرات الاقتصادية العالمية، تفرض إعادة صياغة هذه العلاقة بروح جديدة.

‎من هذا المنطلق، شدّد المشاركون في المنتدى، من خبراء ودبلوماسيين وفاعلين في المجتمع المدني، على ضرورة تعصير اتفاق الشراكة بما يستجيب لتطلعات الشعوب، ويواكب المرحلة القادمة. فالشراكة لم تعد فقط تبادل سلع، بل أصبحت تهمّ مجالات أوسع: من الانتقال الطاقي إلى التكوين المهني، ومن دعم الديمقراطية إلى تعزيز الاقتصاد الأخضر.

‎نحو رؤية مشتركة: شراكة متكافئة ومستدامة

‎المنتدى قدّم فرصة حقيقية لإعادة التفكير في آليات التعاون، والدفع نحو نموذج شراكة أكثر توازناً وإنصافاً، يُراعي الخصوصيات التونسية، ويضمن مصالح الطرفين على حد سواء. وهو ما يتطلب من صناع القرار في الجانبين العمل على:
‎ • وضع خطة استراتيجية مشتركة تمتد لعشر سنوات قادمة.
‎ • تطوير أدوات التمويل والدعم التقني لتتناسب مع حاجيات الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي في تونس.
‎ • إشراك أكبر للمجتمع المدني والشباب في صياغة وتنفيذ برامج التعاون.
‎ • دعم الانتقال الطاقي والرقمي بوصفهما رافعتين للنمو المستدام.

‎خاتمة: ثلاثون سنة… وبداية جديدة

‎لقد أثبتت العلاقة التونسية الأوروبية، عبر مسارها الطويل، قدرتها على الصمود أمام التقلبات السياسية والاقتصادية. واليوم، يتجه الطرفان نحو مرحلة جديدة، تتطلب إرادة سياسية صادقة، ورؤية بعيدة المدى، ومقاربات مبتكرة تستجيب لطموحات الشعوب.

‎إنّ الاحتفال بثلاثين سنة من الشراكة ليس فقط مناسبة للتقييم، بل لحظة تأسيس لرؤية جديدة، تُعيد إلى التعاون التونسي الأوروبي بريقه، وتمنحه نفسًا جديدًا في مواجهة التحديات المشتركة.

يسري تليلي، كاتب صحفي ومتابع للشأن الدبلوماسي والجالية التونسية بالخارج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى