بشير العوديدي… من بنزرت إلى الحمامات: شاب حوّل شغفه بالحلويات إلى مشروع يُحدِث ثورة في عالم المرطّبات بنابل

منتصر ساسي

من أزقّة مدينة بنزرت العتيقة إلى شوارع الحمامات النابضة بالحياة، يحمل بشير العوديدي معه حكاية شاب تونسي آمن بموهبته، وقرّر أن يصنع لنفسه مكاناً خاصاً في عالم الحلويات والمرطّبات. فمنذ أكثر من عشر سنوات، اختار بشير الاستقرار في الحمامات، وهناك بدأت رحلة كفاح هادئة ولكن ثابتة، جعلت اسمه اليوم مرتبطاً بالجودة والابتكار والنجاح.

بعد سنوات من التعلّم والتجربة، افتتح بشير محلّه الخاص لبيع المرطّبات تحت اسم «شوكولين»، وهو محلّ متخصّص في صناعة وبيع مختلف أنواع المرطّبات التقليدية والعصرية، من كيك وتارت وموس وشوكولاتة، إلى جانب تشكيلات متنوّعة من الحلويات اليومية. وبفضل المذاق المميّز لمنتجاته، واهتمامه الكبير بالنظافة واحترام معايير السلامة الغذائية، سرعان ما أصبح «شوكولين» من أبرز العناوين المعروفة والموصى بها في الحمامات، سواء من سكان الجهة أو من الزائرين والسياح.

لا يكتفي بشير بتكرار الوصفات الكلاسيكية فحسب، بل يسعى باستمرار إلى التجديد والتطوير. هذا الشغف بالابتكار دفعه مؤخراً إلى خوض تجربة مختلفة في عالم المرطّبات، حيث قام بتطوير وصفة خاصة لحلويات «الكروسان»، لكن بشكل غير مألوف: كروسان بمذاق مالح/حار وخالٍ من السكر. هذه الفكرة لم تأتِ من فراغ، بل ولدت من معاناة حقيقية عاشها أحد أفراد عائلته.

يقول بشير العوديدي في هذا السياق:
«الفكرة انطلقت عندما أُصيب أحد أقاربي بمرض السكري. وقتها شعرت أنّ عالم الحلويات لا بدّ أن يفتح أبوابه أيضاً لمن حُرموا من السكر. بدأت أجرّب وصفات عديدة، أعدّل في المكوّنات وفي طرق التحضير، إلى أن توصّلت إلى كروسان بمذاق لذيذ، لكن دون سكر، وبنكهات مالحـة وحارّة تناسب مرضى السكري وكلّ من يبحث عن خيارات أخفّ وأكثر توازناً».

مع مرور الوقت، تحوّل هذا المنتج الجديد من مجرّد تجربة شخصية إلى ظاهرة محلّية، حيث لقيت الكروسان المالحة الخالية من السكر إقبالاً كبيراً من الحرفاء، وأصبحت حديث الشارع الحمّامي وروّاد المقاهي والعائلات. وصارت منتجات «شوكولين» – وخاصة الكروسان المبتكرة – تُصنَّف كـ «ترند رقم واحد» على مستوى ولاية نابل، بفضل تميّزها واختلافها عن المعروض في السوق.

ما يميّز مشروع بشير ليس فقط نوعية المرطّبات، بل أيضاً رؤيته الإنسانية والاجتماعية. فهو لا يقدّم حلويات للترف فحسب، بل يسعى إلى تكييف وصفاته مع احتياجات فئات معيّنة من المجتمع، مثل مرضى السكري والأشخاص الذين يتبعون حمية غذائية، أو الذين يفضّلون خيارات أقلّ سكّراً وأكثر توازناً. وهكذا نجح في الجمع بين المتعة الغذائية والوعي الصحّي، دون أن يتخلّى عن متطلّبات الذوق الرفيع.

إضافة إلى ذلك، يحرص بشير على أن يكون محل «شوكولين» فضاءً دافئاً يستقبل العائلات والشباب على حدّ سواء، فيجد الزائر تنوّعاً في الأصناف، وترحيباً في المعاملة، وحرصاً واضحاً على تقديم منتوج نظيف، طازج، ومحضّر بعناية. كثير من الحرفاء أصبحوا يربطون المناسبات السعيدة – من أعياد ميلاد وخطوبات ولقاءات عائلية – باسم «شوكولين»، لما وجدوه فيه من حرفية وجدية في احترام الطلبات والمواعيد.

اليوم، يمثّل بشير العوديدي نموذجاً للشاب التونسي الذي استطاع أن يبني نجاحه خطوة بخطوة، معتمداً على موهبته واجتهاده وإيمانه بقدرة الفكرة الجيّدة على صنع الفارق. ومن محل صغير في الحمامات، انطلق حلم أكبر يتمثّل في توسيع هذا المفهوم المبتكر للمرطّبات الصحية والبديلة إلى باقي المدن والجهات، وحتى خارج حدود الوطن.

وهكذا، لم يعد اسم «شوكولين» مجرّد لوحة محلّ لبيع المرطّبات، بل صار علامة فارقة في عالم الحلويات بولاية نابل، وقصّة نجاح ملهمة لشاب حوّل تحدّي مرض السكري في محيطه العائلي إلى فرصة ابتكار ومنتج جديد، يحتفل به اليوم مئات الحرفاء ويضعونه في صدارة اختياراتهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى