
بقلم جيلاني فيتوري
في قلب أوروبا، وتحديدًا بمدينة زوريخ السويسرية، حيث ترتفع ناطحات السحاب وتنتظم الحياة بدقة الساعات السويسرية، نجح تونسي من أصول جنوبية في غرس شجرة من تراث بلاده في تربة غريبة، وتحويلها إلى مساحة تلاقٍ ثقافي استثنائية. إنه الكامل بن سالم، باعث أول مزرعة لتربية الإبل في سويسرا ومؤسس المهرجان الدولي للإبل بزوريخ، الذي يدخل هذا العام دورته الرابعة عشرة، محققًا إشعاعًا دوليًا لافتًا واهتمامًا متزايدًا من مختلف الجنسيات.




فكرة بدأت بحنين… وتحولت إلى مهرجان دولي
لم تكن رحلة الكامل بن سالم سهلة، بل بدأت بحنين عميق إلى الصحراء التونسية وتفاصيل الحياة البدوية التي رافقته منذ الطفولة. ذلك الحنين تحوّل إلى مشروع غير مسبوق: مزرعة لتربية الإبل في بيئة أوروبية لا تعرف الكثير عن هذا الحيوان الرمز، وما يمثله من دلالات حضارية وثقافية وروحية في المجتمعات العربية.
شيئًا فشيئًا، تطور المشروع من مزرعة خاصة إلى فضاء للتبادل الثقافي واللقاءات، ثم وُلدت فكرة تنظيم مهرجان يُعرّف بثقافة الإبل وما تحمله من تراث، فكانت الانطلاقة الأولى قبل أكثر من عقد. ومنذ ذلك الحين، لم يتوقف المهرجان عن النمو والتطور، ليصبح اليوم من أبرز التظاهرات الثقافية العربية المقامة في أوروبا.
مهرجان يجمع الشرق والغرب
الدورة الحالية، الرابعة عشرة، التي ستُقام أواخر شهر أوت، ستكون نسخة استثنائية بكل المقاييس، ليس فقط على مستوى التنظيم، بل كذلك من حيث الحضور. فقد تأكدت مشاركة وفود من دول الخليج على غرار الإمارات العربية المتحدة وقطر والسعودية، إلى جانب جنسيات أوروبية متعددة من ألمانيا وفرنسا والنمسا وسويسرا نفسها. ويعكس هذا الحضور المتنوّع مدى اهتمام الجمهور الأوروبي بثقافات بديلة، ومدى نجاح المهرجان في كسر الصور النمطية وربط الصحراء التونسية بجمهور عالمي متعطش لاكتشاف الآخر.
ويضم برنامج المهرجان عروضًا حية للإبل، ومسابقات، وركوبًا استعراضيًا، إلى جانب معارض للمنتجات التقليدية المستوحاة من البيئة الصحراوية، وندوات علمية وثقافية حول الإبل وأهميتها في الاقتصاد والهوية. كما سيتم خلال الدورة الحالية تكريم شخصيات ساهمت في دعم التراث البدوي، وفتح فضاء للأطفال للتعرّف عن قرب على حياة الإبل والتقاط الصور معها.



الجالية التونسية… فاعلة ومشرفة
الكامل بن سالم يعتبر أن هذا المهرجان ليس مجرد حدث ترفيهي، بل هو رسالة انتماء وحب للوطن الأم تونس، وفرصة لإبراز قدرات الجالية التونسية المقيمة بالخارج على التألق في مختلف المجالات، بما في ذلك الثقافة والفلاحة والريادة. ويؤكد أن الهدف الأساسي من هذه المبادرة هو التعريف بثقافة الإبل كجزء من الذاكرة الجماعية التونسية والعربية، والتأكيد على أن المهاجر قادر على تقديم إضافة نوعية للبلد المضيف دون أن ينسى جذوره.
إشعاع متزايد وتغطية إعلامية دولية
لم يمر هذا النجاح دون صدى، فقد حظي المهرجان خلال الدورات السابقة بتغطية إعلامية من قنوات أوروبية وخليجية، وتلقى إشادات من مسؤولين سويسريين وأوروبيين اعتبروا المهرجان “نموذجًا للتعايش الثقافي والتنوع الإيجابي”. كما بدأت منظمات سياحية وثقافية تهتم بإدراج فعالياته ضمن برامجها، ما يعزز مكانته كأحد أهم المواعيد الثقافية التونسية في أوروبا.