الصحفيون التونسيون في تحرّك احتجاجي وطني

تونس / كتب الفضلوني عيش

في خطوة تصعيدية تعبّر عن اتساع الهوّة بين الصحفيين والسلطات الرسمية، نظّمت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، اليوم الخميس 20 نوفمبر 2025، وقفة احتجاجية أمام مقر الحكومة بالقصبة، وبالتوازي مع وقفات أخرى للصحفيين في الجهات أمام مقر الولايات، حاملين الشارة الحمراء.

وبحسب ما جاء في بلاغ نقابة الصحفيين، فإنّ هذه التحرّكات الاحتجاجية تأتي، في ظل مناخ سياسي اتّسم بتراجع منسوب الحريات وبتزايد أشكال التضييق الإداري والقانوني على العمل الصحفي وفي سياق يتابع فيه الرأي العام بقلق بالغ مستقبل حرية التعبير والإعلام في تونس، بعد أن كانت لعقد من الزمن تُقدَّم كنموذج استثنائي في المنطقة. أزمة تتعمّق وبحسب الشعارات التي رفعها الصحفيون، فإن الوقفة الاحتجاجية لم تكن حدثا معزولا أو مفاجئا، بل امتدادا لمسار طويل من حالة التّوتّر بين الصحفيين والسلطات خلال الأشهر الأخيرة. فقد عبّر الصحفيون في مناسبات عديدة عن انشغالهم بتطبيق المرسوم عدد 54 وما نتج عنه من إحالات قضائية، وارتفاع منسوب الرقابة غير المعلنة، ما خلق شعورا عاما بأن قطاع الإعلام يتعرّض لعملية “إفراغ ممنهجة” من قبل السلطات.

وتشير النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين في بلاغ لها، إلى أنّ الوضع المهني للصحفيين أصبح اليوم أكثر هشاشة، مع تراجع الضمانات القانونية التي كانت تحمي الصحفي، وتزايد الضغوط الاقتصادية داخل المؤسسات الإعلامية، ما جعل ظروف العمل تنحدر إلى مستوى الخطر، بينما يعتبر الكثير من العاملين في القطاع، أن الأزمة لم تعد تقتصر على حقوق مهنية فحسب، بل تتعداها وأصبحت مرتبطة مباشرة بمستقبل حرية الصحافة والتعبير في البلاد. رؤية وقد رفع الصحفيون الذين تجمعوا في ساحة الحكومة بالقصبة أو زملاؤهم أمام مقار الولايات، خلال وقفاتهم الاحتجاجية عددا من المطالب، يعتبرونها الحدّ الأدنى لضمان استمرارية القطاع ولمصداقية المؤسسات الإعلامية العمومية والخاصة.

ومن أبرز ما جاء في هذه التحركات الاحتجاجية، استكمال تركيبة اللجنة المستقلة لإسناد بطاقة الصحفي المحترف، والتمكين العاجل للصحفيين من بطاقاتهم المهنية لسنة 2025، باعتبارها الأداة الأساسية لممارسة العمل الميداني وفق القانون، مطالبين بالتجديد الفوري لتراخيص عمل مراسلي وسائل الإعلام الأجنبية ووقف كل أشكال التضييق الإداري والبيروقراطي ضدهم.

كما طالب الصحفيون بتنقيح النظام الأساسي للإذاعة والتلفزة، إلى جانب التسريع في الحسم في النظام الأساسي لوكالة تونس أفريقيا للأنباء، بما يضمن استقلالية الإعلام العمومي ومهنيته، إلى جانب إنهاء تعطيل الصحفيين المستقلين من الانخراط في نظام المبادر الذاتي وتمكينهم من إطار قانوني واضح يسمح لهم بالعمل دون عراقيل. ونادى الصحفيون بنشر الاتفاقية الإطارية المشتركة للصحفيين المحترفين وتفعيلها باعتبارها مفتاحا لتحسين الوضعية الاجتماعية والمادية للمئات من الصحفيين، وبضرورة تسوية الوضعيات الهشة للصحفيين في المؤسسات الإعلامية العمومية والخاصة، بما يشمل العقود الهشة، التأجير غير المنتظم، ومشاكل التغطية الاجتماعية.

ومن بين المطالب أيضا، فتح مناظرات انتداب في الإعلام العمومي وفق قانون المالية لسنة 2026، لتعويض النقص المتزايد في الموارد البشرية وتجديد الدماء داخل المؤسسات الإعلامية العمومية وتشغيل خريجي معهد الصحافة وعلوم الأخبار، عبر دمجهم في المكاتب الحكومية وإتاحة فرص للتكوين والتشغيل.

كما طالب الصحفيون اليوم، بضمان حقهم في النفاذ إلى جلسات المحاكم خاصة بعد تسجيل حالات منع وعرقلة، اعتبروها، غير مبررة في المدة الأخيرة. بالإضافة إلى الإفراج عن الصحفيين الموقوفين بسبب عملهم وإيقاف كل التتبّعات القضائية ضدهم باعتبارها غير قانونية أو مبنية على نصوص وصفوها بالفضفاضة، وبرفع قرارات تعليق نشاط المواقع الإلكترونية ووضع حدّ لما تعتبره النقابة توظيفا قضائيا وإداريا يهدّد المؤسسات الرقمية ويضرب حرية النشر.

نقطة تحوّل؟

ويرى المراقبون أنّ الحضور الكثيف للصحفيين في الوقفة الاحتجاجية وتزامنها بين العاصمة والجهات، تدل على أن الأزمة لم تعد قطاعية، بل دليل على مناخ من التّوتّر العام في علاقة السلطة الحاكمة بالمجتمع المدني وبمساحة الحريات، آملين في استجابة الحكومة لهذه المطالب لإعادة بناء الثقة. وتبرز الوقفة الاحتجاجية الأخيرة أنّ الصحفيين التونسيين متمسكّون بدورهم كسلطة رابعة، وبحقهم في بيئة مهنية آمنة ومستقرة تحترم المعايير الدولية، وهي رسالة واضحة بأن الدفاع عن حرية الإعلام ليس مطلبا قطاعيا، بل هو دفاع عن حق المجتمع في معرفة الحقيقة، وعن أحد أهم أعمدة الحياة الديمقراطية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى